محمد دحلان في مقالات الصحفيين: من ناشط شبيبة إلى سياسي ورجل دولة
نشر بتاريخ: 2025/12/20 (آخر تحديث: 2025/12/21 الساعة: 01:00)

لم يكن اسم محمد دحلان يومًا غائبًا عن المقالات الصحفية الفلسطينية والعربية، لكنه لم يحضر دائمًا بالصورة ذاتها. فالرجل الذي بدأ ناشطًا في صفوف الشبيبة الفتحاوية في غزة، ثم برز لاحقًا في مواقع أمنية وسياسية حساسة، عاد اسمه ليتردد مؤخرًا في سياق مختلف، مرتبط بالمواقف الإنسانية والإغاثية خلال حرب الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة. وبين هذه المراحل، تشكلت سرديات متباينة، عكست في جوهرها تحولات الرجل بقدر ما عكست انقسام المشهد الفلسطيني نفسه.

من الشبيبة إلى واجهة المشهد

تجمع أغلب الكتابات الصحفية المبكرة على أن دحلان كان ابن جيله السياسي، خرج من رحم الانتفاضة الأولى، وتدرج في العمل التنظيمي داخل حركة فتح، حيث مثّلت الشبيبة آنذاك مدرسة سياسية واجتماعية، أنتجت قيادات شابة سعت إلى الجمع بين الفعل الميداني والتنظيمي.

في هذه المرحلة، قُدّم دحلان في المقالات بوصفه كادرًا صاعدًا، يمتلك طاقة تنظيمية وحضورًا شعبيًا، قبل أن تنقله التحولات الكبرى التي أعقبت اتفاق أوسلو إلى مواقع أكثر حساسية وتأثيرًا.

السياسي ورجل الدولة

مع توليه مسؤوليات أمنية ثم سياسية، تغيّرت صورة دحلان في المقالات الصحفية. لم يعد الحديث عنه مقتصرًا على تجربته التنظيمية، بل أصبح مرتبطًا بمفاهيم الدولة، والأمن، والعلاقة المعقدة بين السلطة والسياسة. هنا انقسم الكُتّاب بين من رأى فيه نتاجًا لمرحلة بناء السلطة بكل تناقضاتها، ومن حمّله مسؤولية اختلال العلاقة بين الأمن والسياسة.

لكن اللافت أن كثيرًا من المقالات، حتى النقدية منها، لم تنكر أن دحلان كان سياسيًا براغماتيًا، يتعامل مع الوقائع كما هي، ويمتلك قدرة على الحركة داخل بيئات إقليمية معقدة، وهو ما جعله لاعبًا حاضرًا في التحليلات، حتى بعد خروجه من المشهد الرسمي الفلسطيني.

التحول بعد الإقصاء

بعد إبعاده عن مراكز القرار، دخل دحلان مرحلة جديدة، تناولها الصحفيون بوصفها تحولًا من الداخل إلى الهامش، ثم إلى الإقليم. في هذه المرحلة، خفتت لغة الأمن، وبرزت لغة السياسة والعلاقات الدولية، وبدأت المقالات تتحدث عن “دحلان المختلف”، الذي أعاد تعريف حضوره بعيدًا عن السلطة المباشرة.

بعض الكتّاب قرأوا هذا التحول باعتباره إعادة تموضع، فيما رآه آخرون تطورًا طبيعيًا لشخصية سياسية تعلّمت من التجربة، ووسّعت أدواتها وأدوارها.

حرب غزة: عودة من بوابة الإنسانية

مع اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة، عادت شخصية محمد دحلان إلى المقالات الصحفية من زاوية مغايرة. فبعيدًا عن السجالات القديمة، ركزت كتابات عدة على مواقفه الإنسانية والإغاثية، ودوره في دعم المبادرات الطبية، وإغاثة الجرحى، ومساندة العائلات المنكوبة، بالتنسيق مع مؤسسات إنسانية وإغاثية.

في هذا السياق، لاحظ صحفيون أن دحلان بدا أقرب إلى رجل دولة يتعامل مع الكارثة بوصفها قضية إنسانية وطنية، لا مادة للمناكفات السياسية. وقد شكّل هذا الدور، بالنسبة لكثيرين، محطة مفصلية أعادت طرح الأسئلة حول تطور شخصيته، وحدود الفصل بين الخلاف السياسي والمسؤولية الوطنية.

بين النقد وإعادة التقييم

لا تلغي هذه التحولات ما كُتب سابقًا من نقد، لكنها تفرض، كما يرى بعض الصحفيين، إعادة تقييم. فالشخصيات العامة لا تبقى أسيرة لحظة واحدة، بل تُقرأ في مسارها الكامل، بما له وما عليه. ودحلان، في هذا المعنى، ليس استثناءً؛ فهو ابن تجربة فلسطينية متقلبة، انتقل فيها من التنظيم، إلى السلطة، إلى الإقصاء، ثم إلى الفعل الإنساني والسياسي من خارج الأطر التقليدية.

خاتمة

تكشف مقالات الصحفيين عن محمد دحلان سيرة متحركة، لا صورة جامدة. من ناشط شبيبة، إلى سياسي ورجل دولة، وصولًا إلى فاعل إنساني في واحدة من أقسى الحروب التي شهدها الفلسطينيون، تتقاطع الروايات، ويحتدم النقد، لكن الثابت أن الرجل ظل حاضرًا في المشهد، يتغيّر ويتأقلم، فيما تبقى الكلمة الفصل للتاريخ، لا للمقال وحده.