في مشهد سياسي لا يخلو من المفارقة، تطفو على السطح ملامح رومانسية سياسية جديدة، عنوانها استجداء العفو الأمريكي، وكأن الولايات المتحدة تحوّلت فجأة إلى صدرٍ حنون للتنظيمات الإسلامية، بعد عقود من العداء المعلن والخطاب المتشنج.
على غرار الحديث المتداول عن عفوٍ أمريكي شمل أحمد الشرع، رئيس سوريا، يبرز اليوم اسم خالد مشعل في سياق محاولات مغازلة واشنطن، ومدّ جسور ناعمة نحو إدارةٍ طالما صُنّفت في أدبيات تلك الحركات كـ”الشيطان الأكبر”. هذا التحول يطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة المراجعات الفكرية، وحدود البراغماتية السياسية، وما إذا كانت هذه التحركات نابعة من قناعة أم من ضيق الخيارات.
اللافت أن هذا الخطاب الجديد يتجاهل، أو يتناسى، إرثًا طويلًا من الشعارات والبرامج التي قامت أساسًا على معاداة الولايات المتحدة، ورفض سياساتها، واتهامها بالهيمنة ودعم الاحتلال. اليوم، تتبدّل اللغة، وتلين المفردات، ويحلّ التودد محل القطيعة، في محاولة لاقتناص شرعية دولية أو تخفيف العزلة السياسية.
لكن السؤال الأهم: هل تغيّرت أمريكا فعلًا، أم أن بعض الحركات غيّرت بوصلتها تحت ضغط الواقع؟ وهل العفو الأمريكي، إن وُجد، يُمنح مجانًا، أم أنه مشروط بتنازلات تمس جوهر الخطاب والموقف؟
إن ما نشهده ليس مجرد تحرك دبلوماسي عابر، بل انعكاس لحالة ارتباك سياسي تعيشها قوى اعتادت الصدام، فوجدت نفسها اليوم تبحث عن النجاة في أحضان من كانت تصفهم بالأمس ألدّ الأعداء. وبين الأمس واليوم، تضيع الثوابت، ويُعاد تعريف العداء، وفق مقتضيات اللحظة لا وفق المبادئ.
في النهاية، يبقى الرهان الحقيقي على وعي الشعوب، التي تميّز بين المراجعة الصادقة والانقلاب الانتهازي، وبين السياسة كفن الممكن، والسياسة كفن التنازل عن كل شيء.