نشر بتاريخ: 2025/12/24 ( آخر تحديث: 2025/12/24 الساعة: 10:28 )
أشرف العجرمي

المقارنة مع الشرع: ماذا تستطيع «حماس» تقديمه؟!

نشر بتاريخ: 2025/12/24 (آخر تحديث: 2025/12/24 الساعة: 10:28)

من المحزن أن نرى قادة حركة «حماس» يتسابقون في محاولة تقديم أوراق اعتماد إلى إسرائيل والولايات المتحدة. ويمكن أخذ النموذج في تصريحات عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق في مقابلة مع قناة الجزيرة في 25/11/4 عندما قال بأن «حماس» مستعدة للحفاظ على أمن المستوطنات ومنع تكرار السابع من أكتوبر، وأنه في حال نزع سلاح «حماس» ستأتي قوى أخرى بديلة لن تحافظ على الاستقرار. وتصريح قائد الحركة في الخارج خالد مشعل قبل أسبوع لموقع «دروب سايت» الذي طالب فيه الولايات المتحدة بالتفاوض المباشر مع «حماس» والتوصل لاتفاق معها، وبعد مدحه للسياسة الأميركية البرغماتية أعلن أن «حماس» مستعدة لوقف إطلاق نار طويل الأمد مع إسرائيل مع تعهد بتخزين الأسلحة والالتزام بإنهاء العمليات العسكرية ضد إسرائيل. وطالب باعتماد نفس التعامل مع الرئيس السوري أحمد الشرع الذي كان على قائمة «الإرهاب» ثم أصبح رئيساً شرعياً. أي أنه يريد الحصول على الشرعية كبديل للقيادة الفلسطينية.

الرئيس السوري استطاع توحيد فصائل المعارضة السورية المسلحة وقيادتها والاستيلاء على السلطة، وبطبيعة الحال تم ترتيب المسألة مع الأميركيين الذين كان لهم الدور الأبرز في تهيئة الشرع لهذه المهمة، وبدون شك ضغطت الإدارة الأميركية على حلفائها الأتراك والعرب من أجل وحدة الفصائل ودفعها لمحاربة الجيش السوري الذي على ما يبدو كان يعاني من انشقاقات وانهيارات منذ لحظة بدء هجوم هذه المجموعات المسلحة والمتمرسة في القتال. وعملياً شكل الشرع البديل المقبول على الغرب لنظام بشار الأسد. وقد جرى مع عودة الشرع تدمير القدرات العسكرية للجيش السوري، والتخلي عن المطالبة في الجولان المحتل، بل إن إسرائيل احتلت أجزاء مهمة من جنوب سورية وحافظت على حرية التدخل العسكري في سورية بالقصف والاجتياحات والاغتيالات.

أما «حماس» فلا يوجد لديها الكثير لتعرضه على الطرفين الأميركي والإسرائيلي، لأنها خسرت قطاع غزة بعد أن كان تحت سيطرتها التامة. واليوم تحتل إسرائيل أكثر من نصف القطاع بينما عادت «حماس» لسيطرة جزئية على ما تبقى منه. وإسرائيل عملياً في موقف قوة بحيث لا تقبل لا بهدنة طويلة الأمد ولا بأي تنازلات «حمساوية». حتى أن الرأي الغالب داخل المؤسسة الحاكمة هو أن الطرف الوحيد القادر على نزع سلاح «حماس» هو إسرائيل وليس «قوة الاستقرار الدولية». وتفضل الحكومة الإسرائيلية بقاء الوضع القائم على حاله بإبقاء الاحتلال وحرية حركة كاملة في غزة. ومنه إعمار القطاع وتهجير غالبية السكان. وهذا عملياً لا يتم إلا ببقاء «حماس» مسيطرة في غزة وبشكل يمنع انتشار القوة الدولية والدخول الحقيقي في المرحلة الثانية.

ما يعرضه خالد مشعل وموسى أبو مرزوق هو التخلي عن فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة في كامل الضفة الغربية وقطاع غزة. ولو قبلت الولايات المتحدة ببقاء «حماس» في غزة، فهذا يعني أن الانقسام بين القطاع والضفة سيبقى قائماً ولن تعود السلطة لغزة. وسينفذ الأميركيون والإسرائيليون مخططهم لإقامة المنطقة الاستثمارية التي يسمونهت حديثاً بـ»شروق الشمس» والقائمة على فكرة إنشاء مدينة تكنولوجية مثل «وادي السيليكون»، الذي يقوم على أنقاض الوجود السكاني الكثيف في غزة.

إصرار «حماس» الغريب على البقاء في غزة يعني تشبثاً بفكرة الإمارة الإسلامية المتصالحة مع إسرائيل والغرب على حساب إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل «حماس» بعد كل هذا الدمار الذي ألحقته بغزة وعلى كل المستويات البشرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية لا تزال تفكر بمنطق أناني يقول «نحن ومن بعدنا الطوفان»؟ ثم ألا يوجد في قيادات «حماس» من يفكر بمفهوم الوطن وليس مفهوم الفصيل بديلاً للوطن والشعب؟ إن مناشدات «حماس» للرئيس ترامب البراغماتي والجاد في السعي إلى الاستقرار لا يتم من أجل مثلاً توحيد شقي الوطن أو عملية سياسية جادة تمهد الطريق للدولة الفلسطينية، ولا في إطار الانسجام مع الخطة المصرية ولا حتى خطة ترامب التي قبلتها «حماس»، بل هي من أجل أن تعتمد الحركة مثل جبهة النصرة وقياداتها مثل الشرع، وتقام إمارة غزة وكل ما يريده الإسرائيليون والأميركيون والغرب ستنفذه الحركة بدون تردد.

الأَولى بحركة «حماس» أن تنقل اهتماماتها للكل الوطني، وتبحث عن توافق على أساس الخطط القائمة التي تضم إنهاء الحرب وإعادة الإعمار وتسعى مع الفصائل لتطويرها إلى وحدة وطنية تقود إلى انجاز الاستقلال الوطني وإقامة دولتنا المستقلة. فاستجداء الإسرائيليين والأميركيين لا يقود سوى إلى مزيد من التنازلات التي في غير محلها، وبدون أي نتيجة تساهم في حلول وطنية لأزمتنا الكبرى التي كانت «حماس» سبباً رئيساً فيها. «حماس» بحاجة أن تفكر مرة كحركة وطنية فلسطينية وليس تنظيماً إسلامياً يحصر تفكيره في إمارة مهما كانت صغيرة أو محاصرة أو غير قابلة للحياة على حساب الوطن والمواطنين.